موضوع المرأة في الآيات المكية
  • عنوان المقال: موضوع المرأة في الآيات المكية
  • الکاتب: ولاء الحسناوي
  • مصدر:
  • تاريخ النشر: 7:4:51 2-10-1403

موضوع المرأة في الآيات المكية

ولاء الحسناوي 

اول ما بدأ به القرآن الكريم في العهد المكي ،الدعوة إلى أمرين جعلهما متلازمين: المعرفة والتوحيد، أي إثبات أن الطريق إلى توحيد الله يبدأ بالعلم الذي مصدره تعالى من خلال قوله في أول آية نزلت:(إقرأ باسم ربك).(العلق:1) التي أسست قاعدة التصور الإيماني العريضة. وأدرك الإنسان أن اي عمل يقوم به، مهما كان، مرده إلى الله تعالى. وكلما كان الإدراك صحيحا قائما على علم ومعرفة كان العلم بتوحيد الله أعمق، وكان السمو بمفهوم التوحيد في النفس تحقيقا للتحرر والانعتاق من كل ما يمس عبوديته تعالى. ومن هذه البداية الربانية ظلت الدعوة طيلة العهد المكي تُصحح العقيدة في النفس الإنسانية، حتى إذا نزلت التشريعات والتنظيمات في العهد المدني، كان الإنسان مهيئا لاستقبالها من أجل تنظيم حياته، وحياة المجتمع الإسلامي من حوله، وتنظيم العلاقات الإنسانية برمتها.

القرآن و صياغة شخصية المرأة

تلقت المرأة المسلمة هذه الموضوعات والقضايا في فجر الدعوة وبعدها، وكانت الأداة الحاسمة التي صاغت شخصيتها ووجهتها، ويمكن أن تكون كذلك للمرأة المعاصرة إذا احسنت الإصغاء إليها.

ويمكن تصنيف الآيات المكية التي جاء فيها ذكر المرأة وكان لها تاثير حاسم في بناء شخصية المرأة المسلمة في المحاور التالية:

1. المساواة في الإنسانية والتكليف بين الرجل والمرأة:

إن أول ما يطالعنا في الخطاب المكي هو ترسيخ إنسانية المرأة كالرجل في قوله تعالى: ((هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين، فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون)) (الأعراف: 190-189)

إن الآية تبين اصل البشرية الذي يرجع إلى نفس واحدة، الأمر الذي يوضح عدم أفضلىة احد الجنسين على الاخر، وبالتالي فالمرأة والرجل في المنظور الإسلامي ينزلان منزلة متساوية من حيث القيمة والتكليف وبلوغ اسمى درجات الكمال التعبدي. والمتأمل في الآية يجد أن المساواة بينهما ليست مساواة تطابق، وإنما هي مساواة تتبنى مفهوم الاختلافات البيولوجية والنفسية وتكامل الأدوار الحياتية بينهما. وأي خلل يصيب هذا المفهوم يؤدي إلى انتقاص من شخصية المرأة وأنوثتها وخصوصياتها، وبالتالي تثبت تبعيتها للرجل او المواجهة بين الجنسين المستنزفة لطاقاتهما او الصراع المفضي إلى تقويض الأسرة. وحقيقة الأمر انه آن الأوان بعد التخبطات التي تعيشها المرأة والرجل معا والمجتمع برمته أن تُعطى الأهمية لتكامل الوظائف بينهما حسب الرؤية الإسلامية الشمولية، من غير أي شعور بالسيطرة أو الدونية أو الصراع على الندية .

وقد وردت الآية السابقة في السياق العام لسورة الأعراف التي تعرض قصة العقيدة في التاريخ البشري منذ نشأتها الأولى، وسلسلة الصراع بين الحق والباطل المبتدئة منذ ان تعرض آدم وزوجه حواء لعصيان ربهما باكلهما من الشجرة التي نهاهما عنها، يقول تعالى: ((فقلنا يا آدم ... هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو، فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلايضل ولايشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)) (طه:117-124). ففي الآية إقرار بتحميلهما معا المسؤولية وتكليفهما باتباع الهدى، يقول الطبري: فاكل آدم وحواء من الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها واطاعا أمر إبليس وخالفا امر ربهما فبدت لهما سوءاتهما. كما أن الآية رد صريح على الأمم الأخرى التي تعتبر حواء مصدر الخطيئة، وتطبيق واضح للمسؤولية الفردية في تبعية الاختيار والتكليف التي هي إحدى دلالات الخطاب المكي :((ويأتينا فردا)) (مريم:80).

ويذكر الخطاب المكي الرجل والمرأة باستمرار بمساواتهما في الأصل، وأنه لاغنى عنهما معا في استمرار النسل: ((وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تُمنى)) (النجم:45-46). ومساواتهما في الخلق والجزاء: ((ايحسب الإنسان أن يُترك سدى، ألم يك نطفة من مني يُمنى، ثم كان علقة فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، أليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى)) (القيامة:36-40). وبالإقرار بالمساواة في الإنسانية والمسؤولية ننتقل إلى المحور الثاني الذي ورد فيه ذكر المرأة في الخطاب المكي.

2ـ مسؤولية المرأة عن عملها واختيارها:

 من التوجيهات القرآنية في العهد المكي التنبيه على مسؤولية الإنسان عن عمله، وتلقيه الجزاء من جنس ذلك العمل، يقول تعالى: ((وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى)) (الليل:3-4)، فسعي الإنسان، ذكرا او أنثى، هو الذي يحدد مصيره: ((فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى))(الليل:5-10). والجزاء من جنس العمل وليس من جنس الإنسان. ويقول تعالى: ((من عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يُرزقون فيها بغير حساب))(غافر:40)، وهي أية تعدّ ميثاقا حيث أصبحت المرأة بموجبه تحتل مكانتها الطبيعية، ووعت في ظل هذه الدلالات التحررية أن القرآن الكريم يريد أن يجعل منها شخصية قادرة على تحمّل امانة الاستخلاف في الأرض، وأمانة الاختيار الصحيح المؤدي إلى الحياة الطيبة، يقول تعالى: ((من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم باحسن ما كانوا يعملون))(النحل:97). وهذا وعد من الله تعالى للإنسان عن الاختيار الصحيح ((العمل الصالح)). ونجد نماذج نسائية لها مسؤولية الاختيار وتحمل النتائج والجزاء في قصص زوجات لوط ونوح وفرعون والعزيز وقصة ملكة سبأ تؤكد حرية المرأة في التصور والاختيار والعمل.

3ـ مكانة المرأة ودورها في الحياة الأسرية:

ويظهر التأكيد والدور الحيوي الذي تقوم به المرأة في مثل قوله تعالى: ((ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير))(لقمان:14)، فرغم أن الوصية بالوالدين معا، إلا أن التركيز هنا على الأمومة ودورها في الحياة الأسرية. وفي القصص القرآنية التي تعرضت للمرأة نجد توجيه الآيات المكية لتشكيل شخصية نسائية يمكن أن تحتل كل المواقع انطلاقا من وظيفتها الأسرية، من مثل قصتي أم موسى ومريم اللتين تمثلان شخصية المرأة المؤمنة الصابرة القادرة على مواجهة كل الصعاب بالإيمان والعمل، وقصة سارة امرأة إبراهيم التي تمثّل صبر المرأة واختيار مشاركة زوجها في كل امور الحياة، وقصة ابنتي شعيب التي تشير إلى القواعد الأساسية لتصرّف المرأة المؤمنة خارج البيت، وطريقة معاملتها المتميزة بالاحترام والأدب والرحمة. إن المرأة في الرؤية الإسلامية تكتسب فاعليتها وقيمتها من مكانتها في الأسرة، ودورها المستمر في عمليات بناء الإنسان الحضاري، من خلال هذه المكانة يمكن أن تضع العالم بين يديها وتوجهه حسب طاقاتها وقدراتها، وأي عمل ناجح صالح خارج هذا المجال يضفي الكمال والجمال عليه، ويعكس قيمتها وقوتها وفاعليتها، ومدى تمثّلها لمفهوم السكن القرآني، يقول تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))(الروم:21).

وهنا إشارة واضحة إلى حاجة الإنسان النفسية للاستقرار والهدوء والمشاركة في الحياة، أي الحاجة إلى إنسان يكون جزءا من نفسه، يتناغم مع الحياة بنفس النغمات والأحاسيس، كي يسكن إليه من صخب الحياة وضجيجها واضطرارها وتعقيدها(4). وقد عبر سبحانه ب((لتسكنوا إليها)) لما في مفردة السكن من دلالات الطمأنينة والأمان والراحة، وأتبعه بقوله تعالى ((وجعل بينكم مودة ورحمة)) للتعبير عن تبادل وتشارك كل المشاعر والعواطف بين الزوجين، المنبثقة عن علاقات التكامل وحاجة كل منهما للآخر، وامتلاكه لخصائص فطرية كفيلة بتحقيق السعادة الاسرية والاجتماعية التي تمر عبر شريكه في الحياة وهذه هي الصورة المثلى للحياة الزوجية التي جعلها الله آية من آياته في الكون والخلق. ويضيف الله تعالى لدلالات السكن في الحياة الأسرية معاني الاستمرار والامتداد في الزمن، يقول تعالى: ((والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات))(النحل:72)، ومعاني الخلود سواء في الجنة كما في قوله تعالى: ((ادخلو الجنة انتم وازواجكم تحبرون))(الزخرف:70) أو في النار كما في قوله تعالى: ((احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم))(الصافات: 22-23).

وهذه الصورة التي تحتل المرأة مكانة متميزة فيها، وتستوجب حضورها في البيت وقيامها بوظائفها وواجباتها بجانب الرجل، لاتنفي عنها شخصيتها المستقلة، أو تستلزم تبعيتها للرجل، ويمثل الخطاب المكي بآسية زوجة فرعون بوصفها رمزا لاستقلال الشخصية والتشبث بالهوية العقائدية يقول تعالى: ((وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين))(التحريم:11).

وفي سياق الآيات المكية التي ذُكرت فيها المرأة لايمكن إلا أن نقف وقفة إجلال وانبهار بشخصية عظيمة في تاريخ الدعوة إلى الله وتصحيح عقيدة التوحيد هي بلقيس ملكة سبأ. التي ((اوتيت من خصال الملوك ومن ذخائرهم وعددهم وجيوشهم وثراء مملكتهم وزخرفاتها ونحو ذلك من المحامد والمحاسن))  ومع ذلك إختارت الطريق الصحيح وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. ودلالات هذه الآيات وسلوكيات وعلاقاتها الأسرية والاجتماعية في فجر الدعوة وبعد ذلك، وكان لها تأثير في إعادة بناء شخصيتها وتصحيح عقيدة التوحيد في نفسها. وإذا أرادت المرأة أن تخرج من النفق الذي وجدت نفسها فيه مع الرجل فعليها باستنطاق القرآن الكريم وتفعليه في سلوكياتها وممارستها.

 

يذكر الخطاب المكي الرجل والمرأة باستمرار بمساواتهما في الأصل، وأنه لاغنى عنهما معا في استمرار النسل.

من التوجيهات القرآنية في العهد المكي التنبيه على مسؤولية الإنسان عن عمله، وتلقيه الجزاء من جنس ذلك العمل.

في القصص القرآنية التي تعرضت للمرأة نجد توجيه الآيات المكية لتشكيل شخصية نسائية يمكن أن تحتل كل المواقع انطلاقا من وظيفتها الأسرية، من مثل قصتي أم موسى ومريم اللتين تمثلان شخصية المرأة المؤمنة الصابرة القادرة على مواجهة كل الصعاب بالإيمان والعمل، وقصة سارة امرأة إبراهيم التي تمثّل صبر المرأة واختيار مشاركة زوجها في كل امور الحياة، وقصة ابنتي شعيب التي تشير إلى القواعد الأساسية لتصرّف المرأة المؤمنة خارج البيت، وطريقة معاملتها المتميزة بالاحترام والأدب والرحمة.